الثلاثاء، 1 أكتوبر 2013

الراتب والحاجة ..


انتشر مؤخراً في شبكات التواصل الاجتماعي موضوع الراتب وهل يكفى الحاجة أم لا؟
وانقسمت وجهات النظر بين "مؤيد و بشدة" أن راتب المواطن لا يكفى الحاجة ولا يؤهله لعيش حياةٍ كريمةٍ، وفي المقابل هناك من "عارض بشدة" أي اقتراح لزيادة الرواتب مدعياً أن الراتب يكفي الحاجه ولكن المشكلة في المواطن وتبذيره.

لذلك دعونا نناقش الموضوع بالأرقام والحقائق وبعيداً عن العاطفة غير المجدية، مستعرضين بعض المقارنات مع دولِ عدة.

لنستعرض أولا دخل المواطن السعودي "صاحب القضية" وذلك حسب أرقام وزارة الخدمة المدنية، أن متوسط دخل السعودي في القطاع الحكومي يبلغ 7.000 ريال بينما في القطاع الخاص يبلغ المتوسط 4.800 ريال حسب أرقام وزارة العمل. علماً أن آخر زيادة في الرواتب كانت لموظفي القطاع الحكومي (عام 2005)، ومنذ ذلك الوقت زاد التضخم في المملكة بحوالي 35% بسبب إرتفاع أسعار السلع في العالم وأيضاً الإنفاق العالي من الدولة على المشاريع التنموية لكل القطاعات. وهذا له إيجابيات مثلما له سلبيات، فالمستفيد الأكبر من هذه المشاريع هم رجال الأعمال وأصحاب شركات المقاولات وشركات التوريد وما في حكمهم، ولكن لا ننسى أيضاً أن هذه المشاريع ساهمت وتساهم بشكل كبير ومباشر في توظيف السعوديين؛ فالمدينة الاقتصادية أو المطار العالمي أو الملعب الحلم أو المستشفى المنتظر أو المدرسة الجديدة سوف تفتح آلافاً من الفرص الوظيفية للمواطنين والمستعدين لدخول سوق العمل.

لذلك لا مانع من وجود هذا التضخم نظرياً في سبيل إنجاز هذه المشاريع، ولكن من الصعب أن يتحمله المواطن بشكل كامل أيضاً، وبدون الخوض في أي أرقام ومقارنات معقدة فإن قيمة الراتب انخفضت بمقدار 35% تقريباً خلال آخر 8 سنوات بسبب التضخم.
ولكن هذا أمر طبيعي (اقتصاديا) ويحصل في كل دول العالم تقريبا، ففي بريطانيا مثلا كان معدل الرواتب في عام (2000 م) هو 18,800 جنية إسترليني ولكن المعدل ارتفع بحوالي 40% ليصل بعد اثنى عشر عاماً في (2012 م) إلى 26,500 جنية إسترليني. مقابل هذا الارتفاع فإن معدل التضخم ارتفع لنفس الفترة بمقدار 43%. بمعنى أن معدل الرواتب الفعلي في بريطانيا انخفض بنسبة 3% خلال الـ 12 عام. وهو أمر يعتبر مقبول إلى حدٍ كبير.

والإمارات الجاره الشقيقة مثال آخر، حيث رفعت الرواتب بنسبة وصلت إلى 100% في بعض القطاعات الحكومية عام (2012 م) لمواجهة التضخم. ومن هذين المثالين السابقين أود التنبيه إلى أن موضوع التضخم يجب أن يؤخذ في عين الإعتبار عند طرح موضوع الراتب، وهو مالا يفهمه المواطن العادي، حيث لا يعنيه أسباب التضخم والنظريات حولها والخطط لمواجهتها وكون الاقتصاد ريعياً أم صناعياً، هو يفهم لغة واحدة هي ماذا بقي من الراتب وهل يكفيه لآخر الشهر أم لا.

لنعود للسؤال المهم حول الراتب، هل يكفي الحاجة أو لا يكفي؟
للإجابة على هذا السؤال يجب الخوض في محورين رئيسين. الأول هو مقارنة معدل راتب السعودي ببعض رواتب الدول الأخرى لنعرف نحن نقف بجوار من. أما المحور الثاني هو أين يُصرف الراتب وما هو المستنزف الحقيقي له. علماً أن المقارنات دائماً ما تكون غير عادلة، ومن دراسة شخصية أعلم جيداً أن القيام بمقارنة عادلة يتطلب منا الأخذ في عين الاعتبار كثيراً من العوامل التي يصعب طرحها في موضوع الراتب. لذلك سأجيب عن السؤال الأول مع ملاحظة أن الدول التي سأوردها تقتص من دخل مواطنيها ضريبة دخل تتراوح بين (20 – 48%) وهو مالا يحدث في السعودية:
معدل الراتب الشهري في أمريكا يبلغ تقريباً 14.000 ريال
معدل الراتب الشهري في بريطانيا يبلغ 13.250 ريال.
معدل الراتب الشهري في ماليزيا يبلغ حوالي 8.000 ريال.
أما معدل الراتب الشهري في جميع دول أوروبا الشرقية يبلغ أقل من 4.000 ريال.

أما المحور الثاني وهو أوجه صرف الراتب وفق أهميتها تتابعاً (السكن، المأكل والمشرب، المواصلات، الفواتير الخدمية مثل الهاتف والكهرباء والاتصالات)، وأخيراً النثريات والكماليات.
وهنا يكمن بيت القصيد وهنا تتحطم جميع المقارنات الجوفاء.

السكن في أغلب دول العالم يستقطع أكبر نسبة من الراتب، لذلك إرتفاع أسعار العقار تؤثر بشكل مباشر على مستوى معيشة المواطن في أي دولة. فقبيل الأزمة المالية عام 2007 كان السكن يستقطع 42% من راتب المواطن البريطاني ولكن حالياً بعد استقرار الأسعار أصبح يستقطع 26% فقط من راتبه.
بعد السكن تأتي المواصلات ثانياً كأكبر مستنزف للراتب ويندرج تحت بند المواصلات: أقساط السيارة والدراجة النارية والوقود والتاكسي والقطار والمترو. ففي أمريكا يصرف المواطن حوالي 20% من راتبه شهرياً على المواصلات بينما في ألمانيا ولتوفر بنيه تحيه أفضل تتمثل في الحلول البديلة عن أعباء السيارة والوقود مثل القطارات والمترو وثقافة استخدام الدراجة الهوائية فإن المواطن في ألمانيا يصرف أقل من 15% من راتبه في المواصلات. 
هذا الفرق بين المواطن الأمريكي والألماني في الصرف على المواصلات يتضح جلياً آخر الشهر حيث يوفر الأمريكي أقل من 10% من راتبه فقط بينما الألماني يوفر في المعدل 17%.
هذه الأمثلة توضح أن المسألة لا تقترن فقط بمقدار الراتب وإن كان الراتب له دور طبعاً ولكن معالجة مشكلة السكن أو المواصلات أو إرتفاع أسعار السلع الغذائية ربما تكون ذات فائدة للاقتصاد وتضيف لدخل المواطن أكثر مما يضيفه الراتب.

أسلوب ومستوى المعيشة وثقافة الاستهلاك والاقتراض وعدم الحرص على الاستثمار والادخار مواضيع مهمة ويجب عدم إهمالها فالصرف على السيارات الفارهه والاقتراض من أجل السفر أمور يجب أن يفهم المواطن أنها تحقق المتعة اللحظية وأثارها تؤثر بشكل سلبي ومباشر على مستوى معيشته في المدى القصير والطويل.

الحلول كالعادة يجيب أن يتحملها ويشارك فيها الجميع فالموضوع يمس حياة المواطن الذي يستحق حياة كريمة وسعيدة تتوازى مع ما أنعم الله على هذه البلاد من خير وسعه ولكن أيضاً بما يتناسب مع دخله وما كتب الله له من رزق ودخل.
هذه بعض الأمور والتي أرى أنها ضرورية لمعالجة الوضع وإن أختلف تأثيرها وسرعة تطبيقها:
  • زيادة الرواتب بما لا يقل عن 20% وذلك هو الحد الأدنى لتعويض التضخم في أسعار السلع والخدمات.
  • إعادة هيكلة الدعم الحكومي للسلع الأساسية والذي يبلغ حوالي 350 مليار ريال سنوياً. هذا المبلغ يستفيد منه الغني والفقير والمواطن والأجنبي بنفس المقدار وهذا من الظلم والإجحاف الكبير ولا يحصل في أي دولة في العالم بهذا شكل السخي الموجود في السعودية. لذلك يجب الإسراع في تطبيق مشروع "البطاقة التموينية" وتوزيع البطاقات ليستفيد من الدعم المحتاجين فعلاً وليس جميع شرائح المجتمع.
  • التعجيل في مشاريع الإسكان والتأكد من تسليمها حسب الأولوية.
  • فرض ضريبة على الأراضي البيضاء والتوسع في اعتماد المخططات الجديدة لزيادة المعروض من الأراضي للتخفيف من إرتفاع أسعار الأراضي.
  • يجب أن يكون هناك حملات توعية كبيرة لثقافة الادخار وأهميته.
  • يجب على المواطن تحمل جزء من المسؤولية بتغيير عاداته في الإنفاق والمرتبطة بالإسراف. فلا يعقل أن يكون راتبك 8 ألاف ريال وتقوم بعمل وليمة بمقدار ألفين ريال لأصدقائك في بداية الشهر ولا يعقل أن يكون راتبك 10 ألاف ريال وتشتري سيارة قسطها 4 ألاف ريال، ولا يعقل أن تشتري منزل قسطه 12 ألف ريال وراتبك 20 ألف ريال.
  • دعم العمل الخاص لمن يملك القدرة والمهارة عليه، فذلك سوف يخفف من الحمل الذي تتحمله الدولة في بند الرواتب، ولا ننسى أن تسع أعشار الرزق في التجارة وليس الوظيفة.
  • تشجيع المشاريع الشبابية فالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة تمثل العماد الحقيقي لأي اقتصاد قوي في العالم حيث أنها تساهم بشكل مباشر في توزيع أوسع للثروات.

من حق المواطن السعي لعيش حياة كريمة ومن واجب الدولة توفير السبل لهذه الحياة المنشودة، ولكن فقط أحببت التوضيح من خلال هذا المقال أن المسألة ليست مجرد زيادة في الراتب وإنما أكبر من ذلك فهي كما أوضحت تشمل عوامل اقتصادية عديدة والحل للوصول لها هو مجموعة من الحلول المترابطة عرجت على بعضها وإن كنت مقتنعاً أن أهمها وأولها هو التوكل على الله والاجتهاد والإخلاص.



بقلمفارس هاني التركي
*كاتب اقتصادي

رلبط المقال في صحيفة الاقتصادية:



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق