الأربعاء، 20 يونيو 2012

اليونان .. القصة باختصار


أزمة اليونان ،، ما هي بالتحديد؟ وإلى أين متجهين؟


كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن اليونان وعن أزمة اليونان المالية، وهي جزء من أزمة كبيرة يمر بها الإتحاد الأوروبي مؤخراً وهي أيضاً تبعات لما يعيشه العالم أجمع من الناحية الاقتصادية. فلا يمكن عزل موضوع معين كهذا عن باقي العالم وإن كان بالتأكيد له مسببات رئيسية خاصة سوف نعرج على بعضها.

ما هو الوضع في اليونان اليوم؟
باختصار شديد: حكومة لا تملك المال الكافي، دخل الدولة أقل من صرفها، أدى ذلك لعجز في ميزانية الدولة، شعب يعاني من البطالة، هبوط شديد في أسعار العقار والأصول، إرتفاع شديد في أسعار المواد الاستهلاكية، ديون عالية على الدولة وتجد صعوبة في سدادها، فساد حكومي كبير، شباب ثائر!!!

طبعاً هناك أسباب أوصلت اليونان لهذا الوضع، دعونا نعرج على بعضها:

أولا: الدخول مبكراً في الإتحاد الأوروبي والتوقيع على اتفاقية اليورو! 
حماس الإنضمام لنادي الأغنياء جعل اليونان توقع وتلتزم ببعض الشروط القاسية والمجحفة نوعاً ما لها لمجرد الإنضمام ودون قياس تأثير ذلك على المدى البعيد بشكل صحيح.

ثانياً: الفساد الحكومي الكبير! الحكومة اليونانية قدمت أرقام مغلوطة جداً عن الأزمة وعن مقدار الديون المتعثرة وعن حجم تأثيرها على البلد. لدرجة أنها اعتذرت عن أخطاء في الميزانية الرسمية المعلنة! تخيل كمثال أن تعلن الدولة رسمياً مقدار العجز في ميزانيتها ثم بعد ٦ أشهر تعتذر وتقول عفواً العجز لم يكن ٨٨ مليار وإنما كان ٢٩٥ مليار؟؟؟؟

ثالثاً: استشراء الرشوة! في أحد الأحياء الراقية بالعاصمة أثينا أفصح فقط ٣١٨ شخص أنهم يملكون مسابح خاصة في منازلهم، بينما أظهر مسح بالأقمار الصناعية عن طريق جوجل أن هناك ٣،٢٧٢ منزل يحتوي على مسابح خاصة! طبعاً السبب كان للتهرب من دفع ضرائب أعلى والطريقة كانت دفع رشاوى لموظفي الحكومة لتمرير هذه الحالات!

رابعاً: إرتفاع أسعار البترول، وهذا السبب تسبب في ضرر كبير لليونان وجميع دول الإتحاد الأوروبي والدول المستوردة للبترول. فإرتفاع سعر البترول ينعكس بشكل مباشر على أسعار باقي الصناعات والسلع.


في ظل هذه الظروف، ما هو موقف أعضاء منطقة اليورو ال١٧؟
دول اليورو حريصة جداً على مساعدة اليونان ودعمها مادياً لتجاوز هذه الأزمة، ولكن هذا الدعم لن يكون بلا حدود أو إلى مالا نهاية.
وهي حريصة أيضاً على مساعدة اليونان وعدم خروجها وانسحابها من الإتحاد و اتفاقية اليورو لعدة أسباب منها: 
أن هذه الدول بقيادة ألمانيا و وفرنسا أكبر الدائنين لليونان، فهي حريصة على أن تتعافى اليونان لكي تستطيع استرجاع هذه الديون.
طالما أن اليونان في ظل الاتحاد الأوروبي فسوف تستطيع ألمانيا و وفرنسا من فرض خطط إصلاح معينه والتحكم بالسياسة النقدية لحد كبير.
في حال خروج اليونان فإنها سوف تتحرر من بعض اتفاقيات التجارة والمحاصصه وذلك سوف يضر ببعض الدول الأعضاء الآخرين مثل أسبانيا وإيطاليا في مثال زيت الزيتون.
انهيارها اقتصاديا سوف يؤدي إلى انهيار ثقة المستهلك و سيؤدي إلى إرتفاع مخاطر فشل النموذج الأوروبي بشكل حقيقي.
 خروج اليونان من الاتحاد سوف يشجع الدول الأخرى في الاتحاد والتي تعاني من أزمات اقتصادية مماثلة والتي يطلق عليها حالياً PIIGS و هي البرتغال و ايطاليا و ايرلندا و اليونان و أسبانيا.

في المقابل لماذا لا تخرج اليونان من الاتحاد الأوروبي وتتحرر من اتفاقية اليورو؟ أو لماذا تأخرت ولم تتخذ هذا القرار إلى يومنا هذا؟
القرار ليس بهذه السهولة والأمور ليست بهذا الوضوح.
السبب الرئيسي هو أن ذلك سوف يترتب عليه إلغاء عملة اليورو وطرح الدراخما الجديدة وسوف يكون لها سعر صرف جديد والذي غالباً ما سينهار في بداية طرحة لإنعدام ثقة السوق في إقتصاد اليونان ككل. سيؤدي أي إنخفاض في العملة الجديدة لمزيد من الصعوبات في سداد ديون اليونان والمقيمة أصلاً باليورو!
كمثال: لو كانت ديون اليونان ١٠٠ مليار يورو وسعر سعر الدراخما الجديدة يساوي ١ دراخما لكل يورو، فمعناه أن اليونان يجب أن تسدد ١٠٠ مليار دراخما. أما لو هبط سعر الدراخما إلى ١.٥ دراخما لكل يورو فمعناه أن اليونان يجب أن تسدد ١٥٠ مليار دراخما مقابل ديونها!!!
وهناك أسباب أخرى مهمة أيضاً كإحتمال تخلي دول منطقة اليورو عن اليونان تماماً وتركها تغرق في محنتها دون تقديم الدعم بإعتبار أن اليونان شقت عصى الطاعة.

هناك مشكلة أخرى وهي أن واضع الدستور الأوروبي الحديث لم يضع سياسة أو إجراءات لكيفية خروج أي دولة من إتفاقية اليورو و لذلك سوف تضطر اليونان للخروج من الإتحاد الأوروبي كاملاً في حال قررت الاستغناء عن اتفاقية اليورو و التحرر منها.

معظم الدعم المالي لليونان قادم من البنك المركزي الأوروبي و صندوق النقد الدولي، ولكن لاستمرار طلب الدعم والمزيد من الأموال فقد فاض بمديرة صندوق النقد الدولي التي قالت: أن الشعب اليوناني كان يتهرب من دفع الضرائب و قد حان وقت الدفع! وقالت أيضاً أن مساعدة صندوق النقد الدولي لدول صحراء شمال إفريقيا أولى و أهم من مساعدة اليونان!
طبعاً التصريح نتج عنه ضجة كبيرة في أوساط الإعلام اليوناني مما دفع زعيم الحزب الإشتراكي أن يتهمها بإهانة الشعب اليوناني وتسائل من أعطها الحق بالكلام عنا؟
ومن المعلوم في الغرب أن التهرب من دفع الضرائب يعتبر تخاذل وخيانة ونقطة تعيير إجتماعي كبيرة، هذا عوضاً عن كونه جريمة يعاقب عليها القانون.  إلى حدٍ ما كالهارب من دفع الزكاة في الإسلام الذي يعتبر قد هدم ركن أساسي من أركان الإسلام!

الكرة الآن في ملعب الحكومة اليونانية الجديدة بقيادة حزب "الديموقراطية الجديدة" المؤيد لخطط الإصلاح والإستمرار في منطقة اليورو.
وضع غير مشجع لأي حكومة أن تدير البلاد خلاله، فالبلد عليها دين يقدر ب550$ مليار دولار والتحديات صعبة والصورة غير واضحة، ومهما كان القرار فالوضع سيكون صعباً على الشعب اليوناني الذي يعاني كثيراً جراء هذه الأزمة الخانقة والتي سوف تستمر تبعاتها لمدة ١٠ أو ٥ سنوات في أقل الأحوال.

هل تستمر اليونان في الإتحاد الأوروبي و تتمسك بإتفاقية اليورو؟ أم هل تتحرر و تتخذ القرار الجريء بالإنسحاب وتتحمل التبعات؟ 
من المرجح أن تبقى بعد إنتخاب الحزب الجديد و لكن سوف نعرف الجواب بشكل قاطع خلال هذا العام، مع العلم بأن مجرد طباعة عملة جديدة يستغرق ٦ أشهر!



*المهندس/ فارس هاني التركي

رابط المقال بجريدة الاقتصادية: http://www.aleqt.com/2012/06/24/article_669648.html