الجمعة، 15 مارس 2013

الرهن العقاري.. والمعادلة المجنونة


يتسائل المواطنين كافة عن مدى إمكانية إنخفاض أسعار العقارات في السعودية بعد صدور اللوائح التنفيذية لأنظمة (الرهن العقاري) التي صدرت خلال الأيام الماضية، وهل سيحقق هذا النظام أحلام ملايين الأسر السعودية بتملك منزل العمر؟

للإجابة على السؤال يجب أن يعرف القارئ الكريم الفرق بين الرهن العقاري وبين الأنظمة الحالية التي تقدمها البنوك وشركات التمويل العقاري لتملك المنازل مثل المرابحة والإجارة وغيرها.
لم تنتظر البنوك السعودية اعتماد الرهن العقاري فقامت منذ قرابة عقد من الزمان بإيجاد حلول تمويلية بضمانات وأسعار مناسبة لها، مع تملك العقار لضمان الأصل علاوة على الدفعة الأولى. والسؤال هنا، ما هو الفرق بين ماهو متبع سابقاً والحاجة لنظام جديد وهو (الرهن العقاري) ؟
هنالك فائدتين رئيسيتين للرهن العقاري:
1) الأولى "تشريعية وتنظيمية"، فنظام الرهن العقاري هو حماية لحقوق العملاء والبنوك معاً، وليس طرفا على حساب الآخر؛ لأنه في ظل غياب الأنظمة الواضحة يصبح طرفي القضية العميل والبنك شريكان في المخاطرة وضدان في الخصام، ولا يمكن ترك القضية خاضعة لتقديرات البنوك والمحاكم.
فماذا لو تعثر العميل عن السداد أو توفي، وماهي حدود الإقراض التي تمنح له، وهل يمكن للبنوك وشركات التمويل أن تمتلك وحدات سكنية بغرض استثمارها وبيعها لاحقا ؟
أو ماذا لو كان في العقار مشاكل إنشائية، أو أفلس البنك كما حصل في أمريكا وأوروبا، بالإضافة إلى كثير من التساؤلات التي لابد من نظام واضح يحكم فيها بوضوح بين جميع الأطراف.
ونظراً لغياب التنظيم والتشريع ارتفعت تكلفة الإقراض، وعلى العكس تماما سيكون لوجود الأنظمة دور في تقليص المخاطر على البنوك وبالتالي ستقوم البنوك بدورها بخفض نسبة الربح للمنتجات العقارية.
2) الفائدة الثانية هي توسيع دائرة الإقراض للأفراد، فإذا كنت تمتلك أرضا ولا تستطيع بنائها ولا تستطيع الحصول على التمويل لبنائها، فبإمكانك الآن أن ترهن الأرض للبنك وأن تحصل على التمويل المناسب لبناء هذه الأرض والسكن فيها. وفي المقابل سوف يمكّن الرهن العقاري شركات التطوير العقاري أيضاً من رهن أراضيهم والحصول على سيولة وافرة مقابل ذلك لبناء مزيد من الوحدات السكنية للأفراد، وهو ما سيمكنها من التوسع في أعمالها بشكل أكبر ورفع عدد (المعروض) من الوحدات السكنية في السوق وهو ما سيساهم بشكل مباشر في خفض الأسعار تدريجيا.
ولكن هذا لا يعني الإجابة على سؤال المقال بشكل كامل لأن وجود نظام الرهن العقاري سيقلل من المخاطر على البنوك وهذا من شأنه خفض نسبة آرباح المنتجات العقارية كما أسلفنا، ولكن إنخفاض المخاطر سوف يزيد من شهية البنوك لمزيد من الإقراض واستقطاب مزيد من المقترضين، وهو ما يساهم في (زيادة الطلب) على العقارات في سوق يقل فيه (المعروض)، وهذا بدوره سوف يرفع أسعار العقارات بشكل مباشر!. وهي أقرب لمعادلة مجنونة.
لذلك يجب معرفة أن "الرهن العقاري" ليس العصا السحرية التي سوف تحل مشاكل الإسكان لدينا، بل هي خطوة مهمة يجب أن يتبعها خطوات أخرى لحل مشكلة الإسكان المتفاقمة لدينا ومن أهمها:
• فرض رسوم ضريبية (زكاة) على الأراضي البيضاء، ففي أغلب دول العالم هنالك ضريبة تدفع على العقار غير المستثمر أو حتى المستثمر. ويساهم هذا النوع من الضرائب بشكل مباشر في عدم تكديس العقارات لدى أصحابها والعمل على استغلالها أو بيعها.
• وضع حد لتملك العقارات، فنظرياً لا يعقل أن يمتلك شخص واحد ما نسبته 10% أو 20% من عقارات مدينة واحدة، لأن ذلك يتيح الفرصة للتحكم برفع الأسعار بشكل خطير.
• تسهيل وتسريع اعتماد المخططات الجديدة، فالسعودية مساحتها شاسعة ولو نظرنا إلى مدينة مثل جدة مثلاُ سنجد أن آخر مخطط تم اعتماده كان قبل أكثر من 5 سنوات!. هل قرار كهذا يصب في مصلحة هوامير المخططات والعقارات أم المواطنين؟
• إعادة النظر في طرق وتقنيات البناء الحديثة الأقل تكلفة والسماح باستخدامها خاصة وأنها أثبتت كفاءة عالية في اليابان والصين وأمريكا.
• الاستمرار في دعم مشاريع الإسكان الميسر، والتي اعتمدتها الدولة مؤخرا وخصصت لها ميزانيات ضخمة، وإنجازها بأسرع وقت لتساعد جزء من المواطنين من محدودي الدخل.
كما يجب على المواطنين التخلي عن الرفاهية التي لا يستطيعون دفع ثمنها، بحيث يكون العقار مناسبا لملائتهم المالية ومقدرتهم على التسديد، كون هذا أحد أبرز أسباب إنهيار السوق العقاري في أوروبا وأمريكا. وللتوضيح والمقارنة فدعونا نأخذ مثالين، من أوروبا وأمريكا.
في بريطانيا يبلغ متوسط سعر الوحدة السكنية 162,000 جنية إسترليني بينما يبلغ متوسط الدخل السنوي للفرد 30,000 جنية إسترليني، مما يعني أن متوسط سعر الوحدة السكنية يساوي متوسط دخل الفرد السنوي بحوالي 5 مرات.
أما في أمريكا فمتوسط سعر الوحدة السكنية 186,000 دولار بينما يبلغ متوسط الدخل السنوي للفرد 46,000 دولار، مما يعني أن متوسط سعر الوحدة السكنية في أمريكا يساوي متوسط دخل الفرد السنوي حوالي 4 مرات.
بينما في السعودية يبلغ متوسط سعر الوحدة السكنية قرابة 10 مرات متوسط الدخل السنوي وهو معدل عالي جداً ولذلك يجب أن ينخفض متوسط الوحدة السكنية في المملكة ليصبح قرابة 480 ألف إلى 660 ألف ريال لكي نتماشى مع المعدل العالمي، أو أن يرتفع دخل الفرد للضعف وهو أمر مستبعد وصعب.
نحن أمام أسعار عقارات تخطت المعقول وأزمة إسكان حقيقية أجمع الكل على تأثيرها السلبي الشديد في حياة المواطن، والمطلوب الآن هو العمل على تعجيل خطوات التصحيح وتدارك الوضع. والحلول ليست صعبة ولا مستحيلة، فدول مثل تركيا وسنغافورة واجهت صعوبات في أزمة الإسكان أكثر مما تواجهه السعودية اليوم ولكن بالعمل الدءوب والرؤية السليمة استطاعت تجاوزها وحلها وتمكنت من توفير حياة كريمة لمواطنيها.


* رابط المقال في جريدة الاقتصادية:  
http://www.aleqt.com/2013/03/02/article_735427.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق