الاثنين، 10 ديسمبر 2012

ماذا فعل أبا حسين في الاقتصاد الأمريكي؟


هل كانت إعادة انتخاب أوباما لفترة رئاسية ثانية متوقع؟ مالذي ساهم في ترجيح كفة أوباما ضد منافسه الجمهوري؟ ما هي هذه الأرقام التي ساهمت في انتخاب أوباما لفترة ثانية؟ و هل تكذب الأرقام؟
دعونا نراجع بعض المؤشرات الاقتصادية للولايات المتحدة عندما أستلم أوباما الرئاسة مطلع 2009 ومقارنتها بما وصلت إليه بعد 4 سنوات قبيل انتخابات 2012.

استلم أوباما البلاد وهي في وضع لا تحسد عليه فقد كانت تعاني من تبعات الدخول في حربين مباشرتين بين العراق وأفغانستان، وعصفت الأزمة الاقتصادية برياحها وانهارت أعرق الشركات الأمريكية أمثال بنك "ليمن برذرز" وشركة السيارات "جنرال موتورز" وخسرت  أمريكا 4 مليون وظيفة في أول سنة من تولي أوباما للرئاسة!  ولمعرفة ضخامة هذا الرقم، فجميع السعوديين العاملين في القطاع الخاص يبلغ عددهم حوالي  900,000 فقط. سيطر  أوباما على هذا النزيف بشكل مذهل و قلب الوضع رأساً على عقب وأصبح الاقتصاد يضيف من 100,000 إلى 200,000 وظيفة شهرياً.

استلم أوباما دفة القيادة ونسبة البطالة 7.8% وأنهى الأربع سنوات وهي عند نفس المستوى. كيف لنا أن نهمل هذا الرقم إذا ما علمنا أن عدد الموظفين الجدد الذين يدخلون سوق العمل الأمريكي يزيد عن 100,000 شهرياً، مما يعني أن توفير 100,000 وظيفة شهرياً لن يقلل من نسبة البطالة وإنما سيحافظ على النسبة من الارتفاع و لكي نثبت هذا النجاح فلا بد لنا من وضع وضع الاقتصاد العالمي في الاعتبار ففي نفس الفترة ارتفعت نسبة البطالة في إسبانيا من 16.7% إلى 24% وفي إيطاليا من 7.5% إلى 9.1% و في فرنسا من 8.9% إلى 10% وفي بريطانيا من 7% إلى 8.3%.

تعافي سوق العقار من الملفات التي واجه أوباما صعوبة شديدة في حلها. فمتوسط سعر الوحدة العقارية كان 175,000$ في مطلع 2009 ولكنه استمر في الهبوط ولم يعد للارتفاع إلا في آخر ثلاث أشهر من انتهاء فترته الرئاسية. ملف العقار مازال مأساة حقيقة حيث أن 3 مليون أمريكي خسروا منازلهم لتعثرهم في سداد أقساطهم للبنوك خلال الأربع سنوات التي شكلت فتره رئاسة أوباما الأولى. ولكن في المقابل شهد سوق الأسهم الأمريكي صحوة حقيقة أنعشت الدورة الاقتصادية فمؤشر(
S&P 500) الذي يضم أكبر الشركات التي تمثل الاقتصاد الأمريكي ارتفع من 931 نقطة وهو المستوى الذي كان عليه عند بداية رئاسة أوباما إلى 1414 نقطة قبل الانتخابات الثانية.
هذه الأرقام أثرت بشكل مباشر على مؤشر ثقة المستهلك الذي كان قد سجل إنخفاض بمقدار 1.7% في أول 6 أشهر من تولي أوباما ولكنه ارتفع بعدها ولم يهبط حتى وقت كتابة هذا المقال. كما أن معدلات التضخم استمرت في حدود 2% وهو شي جيد إذا ما قارناه بالتضخم في منطقة اليورو والذي بلغ 2.5% أو السعودية والبرازيل والذي تجاوز 5% أو الهند الذي قارب من 10%.

قد يؤخذ على أوباما إرتفاع عجز الموازنة وارتفاع الدين العام لمستوى تاريخي. فالدين العام ارتفع من 10.7$ تريليون إلى 16$ تريليون وهي نتيجة طبيعية لسياسة أوباما التي استمرت في الإنفاق لإنعاش وتحفيز الاقتصاد. فالإنفاق الحكومي استمر بمعدل 3.5$ تريليون سنوياً مما تسبب بشكل مباشر في عجز للموازنة بأكثر من 1.3$ تريليون سنوياً. كما أن الدين العام والبالغ 16$ تريليون يظل مصدر قلق يجب السيطرة عليه فالعمولات التي تدفعها أمريكا على هذا الدين تبلغ 450$ مليار سنوياً!! و على الرغم من ضخامة الرقم فإنه لا يمثل سوى 3% من الناتج المحلي السنوي. يجدر بالذكر بأن الاقتصاد الأمريكي مازال الأقوى الأكبر عالميا بحجم 15.7$ تريليون في السنة وبفرق كبير عن الصين التي تأتي في المركز الثاني بحجم 8.3$ تريليون واليابان التي تأتي في المركز الثالث بحجم 6$ تريليون ولكن معدلات النمو في الصين تشكل تهديد حقيقي في الخمس السنوات القادمة.
أرقام كبيرة دون أدنى شك ولكن المواطن الأمريكي استفاد كثيراً من ذلك حيث تم خفض الضرائب وزيادة فوائد برامج مساعدة العاطلين ودعم المشاريع الحكومية لاستيعاب موظفين جدد وتطوير قطاع الصحة وزيادة ميزانية الدفاع.

أوباما هو رجل المرحلة وكل شيء في أمريكا يتمركز حول الاقتصاد ورغم الأداء المتوسط في فترته الأولى إستطاع أوباما إيصال صوته من خلال هذه الأرقام التي لا تكذب والتي خولته لجمع أصوات الناخبين للمرة الثانية.

الوضع الاقتصادي المحلي والخارجي صعب والآن أوباما يقف أمام الكونجرس (الذي يسيطر عليه الجمهوريين) في اختبار حقيقي لتجديد قوانين الإعفاءات الضريبية التي أقرت في عهد بوش الابن وقام أوباما بتجديدها خلال فترته الأولى، ولكنه الآن يريد تخفيض الضريبة على الشريحة المتوسطة ورفعها على أصحاب الدخل العالي بشكل أكبر.
هناك تخوف حقيقي من حصول انهيار مالي "
Fiscal Cliff" في أمريكا وذلك في حال تعثر الوصول لاتفاق بين أوباما والكونجرس ولكن الاجتماعات تشير لقرب الوصول لاتفاق مقنع للطرفين.

رغم وعورة الطريق وصعوبة المرحلة إلا أن الحلول متاحة لمن يريد تطبيقها من الديمقراطين أو الجمهورين و إذا أرادت أمريكا المحافظة على صدارتها الاقتصادية فعليها العمل بجد والسير على نفس النهج في الإصلاحات والإنتاج والتركيز على الصناعات التي تجيدها مثل صناعة السلاح الخفيف والثقيل والتكنولوجيا  والخدمات والسياحة والترفيه والقطاع المالي والزراعة والتعدين.
هل سيستطيع أوباما تحقيق ذلك دون أن تتخلى أمريكا عن بعض الرفاهية؟ الجواب بالتأكيد ستتم الإجابة عليهم في الأربع سنوات القادمة ....


بقلم: فارس هاني التركي 

رابط المقال في جريدة الاقتصادية: 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق